من مدينة القصر الكبير إلى آفاق التألق
ضمن لمسة وفاء خاصة تحتفي بإبداعات الموسيقار العصامي عبد السلام عامر، وتسترجع رحلته ومساره الفني والانساني خصصت إذاعة طنجة حلقة استثنائية للمبدع الرقراق في إطار برنامج "ذكريات عبرت" الذي يعده ويقدمه الزميل حميد النقراشي، وذلك ليلة الجمعة فاتح يونيو صبيحة السبت الثاني منه، بعد منتصف الليل؛ وشارك في هذا اللقاء المباشر بعض الفنانين والنقاد وأصدقاء عامر، كما استحضر وثائق صوتية نادرة وأعمالا خالدة لهذا الموسيقار الذي تحل ذكرى رحيله الثامنة والعشرين هذه السنة.
كانت مسيرة الموسيقار عبد السلام عامر الفنية قصيرة زمنيا، لكنها شاسعة المدى على طول مشواره الحافل، فابن مدينة القصر الكبير الذي ولد بحومة للا بنت أحمد قرب الزاوية التيجانية في عام 1939 سيفقد نور الشمس وضوء القمر سنتين فقط بعد ميلاده ليدخل إلى الظلام الأبدي إثر مرض ألم بعينيه، غير أنه سيتحدى الإعاقة بانجذابه نحو الفن والموسيقى حيث كان المذياع بمثابة مدرسته الأولى، التي أتاحت له فرصة الاستمتاع بروائع الطرب العربي.
كاانت بداية انطلاق عامر في مجال الممارسة عام 1959 عبر أغنية من الشعر العامي "الساقية والبير"، لكنه احتجب بعدها لمدة ثلاثة أعوام فضل أثناءها تعميق مداركه وتعزيز رصيده المعرفي، فاطلع على الشعر والأدب وكرس احتكاكه بالشعراء المغاربة، وبالأخص الشاعر عبد الرفيع الجوهري الذي شكل معه في مرحلة لاحقة ثنائيا ساهم في ميلاد النواة الأولى للقصيدة الغنائية المغربية التي اختلفت شكلا ومضمونا عن القصيدة الغنائية المصرية، إن عامر الذي امتلك قلبا بصيرا وحاسة سمع حادة كان شديد الحرص على الابتكار والتجديد اللحنيين أكثر من اعتماده على أسلوبي الاقتباس والمماثلة التي كانت تتميز بها القصيدة الغنائية العربية الكلاسيكية
والمتتبع للحركة الفنية بالمغرب يستوقف عادة عند حقبة الستينات حينما كان الصراع الفكري محتدما بين تيارين موسيقيين أولهما التقليدي الذي انطلق من معطى أساسه الموهبة والممارسة في الحقل الموسيقي، وكان يقوده الأستاذ الراحل أحمد البيضاوي، في حين كان التيار الثاني /الأكاديمي التحديثي/ يرى أن إغناء الموهبة الموسيقية لا يتم إلا من خلال الدراسة والتكوين، وكان رائد التيار هو الأستاذ عبد الوهاب أكومي، وبين التيارين وقف عبد السلام عامر مدافعا عن الطرح التحديثي محاولا التوفيق بين الاثنين وذلك يقينا منه بأهمية التطور العلمي في إثراء الميدان الموسيقي، ويعد عامر من أوائل الملحنين المغاربة الذين دونوا أغانيهم بالنوطة الموسيقية إبان رحلته إلى مصر التي رافقه فيها عبد الهادي بلخياط وعبد الحي الصقلي والشاعر حسن المفتي.
إن عبد السلام عامر برغم مضي ثمانية وعشرين سنة على رحيله سيبقى علما خالدا من معالم الفن المغربي مثلما ستظل أعماله القوية "حبيبتي" و"آخر آه" و"القمر الأحمر" و"ميعاد" و"واحة العمر" و"راحلة" و"قصة الأشواق" و"الغائب" و"الشاطئ" وغيرها من عيون الطرب الرفيع عبر تاريخ الغناء المغربي.